مع بداية شهر مايو، يتجدد الحديث بين المستثمرين حول القاعدة الموسمية القديمة التي تقول: “بع في مايو وابتعد عن السوق”. ورغم أن هذه القاعدة لطالما اعتُبرت استراتيجية تقليدية لتفادي الأداء الضعيف للأسواق خلال أشهر الصيف، إلا أن السياق الحالي يشير إلى أن الأمور لم تعد بهذه البساطة. فالعوامل المسيطرة على الأسواق في هذا العام تتجاوز مجرد التغيرات الموسمية، وتشمل تقلبات سياسية واقتصادية عالمية، إلى جانب حالة من عدم اليقين المرتبطة بالسياسات النقدية والتجارية.
يرى أحد كبار الاستراتيجيين الفنيين أن السوق هذا العام لا يشبه الأعوام السابقة، مؤكدًا أن قاعدة “البيع في مايو” لم تحقق نتائج إيجابية خلال العقد الماضي. وتعود هذه القاعدة إلى تقليد بريطاني قديم حين كان المتداولون في لندن يغادرون السوق في الصيف ويعودون إليه بعد سباق الخيول الشهير في سبتمبر، وذلك لتفادي شهور يُعتقد تاريخيًا أنها تشهد ركودًا في الأداء. وقد أثبت هذا الأسلوب فعاليته في فترات سابقة، خاصة بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يتغير الاتجاه بعد الانهيار الكبير في السوق أواخر الثمانينات، حين بدأت استراتيجيات البقاء في السوق طوال العام تحقق أداءً أفضل.
ورغم أن البيانات التاريخية تُظهر أن مؤشر الأسهم الرئيسي في السوق الأمريكية سجّل أضعف متوسط نمو له خلال الفترة الممتدة من مايو إلى أكتوبر بنسبة 1.8% فقط منذ خمسينيات القرن الماضي، فإن هذا الأداء الضعيف نسبيًا لا يعني بالضرورة أن الخروج من السوق في هذا التوقيت هو الخيار الأمثل. فعلى الرغم من أن الأشهر الصيفية سجلت مكاسب في 65% من الحالات، إلا أن الأرباح كانت أقل مقارنة بفترة الشتاء والربيع، مما عزز من انتشار هذه القاعدة بين المستثمرين على مر السنين.
ومع ذلك، يشير بعض الاستراتيجيين الفنيين إلى أن الاعتماد على الأنماط الموسمية وحدها لم يعد كافيًا لتحديد الاتجاهات. فهناك فارق كبير بين البيانات التاريخية التي تمثل “مناخًا عامًا” للسوق، والواقع الحالي الذي يتأثر بـ”طقس اقتصادي” متقلب، تغذيه تطورات سريعة في السياسات المالية والتجارية. وقد شهدت الأسواق تحسنًا ملموسًا في شهر أبريل، لكنها لا تزال في مرحلة التعافي من أحد أسوأ أشهر السنة من حيث الأداء، ما يدفع بعض المتخصصين إلى تفضيل الشراء عند التراجعات بدلاً من البيع عند الارتفاعات.
وفي ظل موجات الصعود والهبوط المتتالية التي شهدتها الأسواق مؤخرًا، تزداد الشكوك حول مدى جدوى التمسك بقاعدة “بع في مايو وابتعد عن السوق”. فبحسب رأي أحد مديري الاستثمار، فإن وجود دلالة إحصائية لا يكفي لتبرير تطبيق هذه القاعدة في وقت تتسم فيه الأسواق بتقلبات مرتفعة وغير متوقعة. كما أشار أحد مديري الثروات إلى أن تعافي السوق في أبريل يُعد أمرًا إيجابيًا، لكنه ليس كافيًا لاتخاذ قرار بالانسحاب من السوق خلال هذه الفترة من العام.
وبناءً على ما سبق، يتضح أن الاعتماد الأعمى على قاعدة “بع في مايو وابتعد عن السوق” لم يعد مناسبًا في بيئة السوق الحالية. فالعوامل المؤثرة اليوم أصبحت أكثر تعقيدًا، ولم تعد التحركات الموسمية كافية لتحديد اتجاهات الاستثمار، ما يستدعي النظر إلى معطيات السوق الحقيقية وتحليلها بعمق، قبل اتخاذ أي قرار مصيري يتعلق بالخروج أو البقاء في السوق.