Cannot fetch data from server.

ترامب يضغط والفيدرالي يتحفظ بشأن خفض الفائدة

0 5

تترقب الأسواق قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة في اجتماع السياسة النقدية المقرر في يونيو المقبل، حيث تُظهر بيانات العقود الآجلة أن البنك المركزي قد يُقدم على خفض أسعار الفائدة الفيدرالية بمقدار يتراوح بين 75 و100 نقطة أساس بحلول نهاية العام. لكن هذه التوقعات اصطدمت بموقف حذر عبّر عنه رئيس الفيدرالي، جيروم باول، الذي أشار إلى أن السياسات التجارية الحالية، خصوصًا الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ستؤدي إلى زيادة الأسعار وتباطؤ النمو، ما قد يدفع الفيدرالي إلى التراجع عن أهدافه المتعلقة بالتوظيف الكامل واستقرار الأسعار. وقد صرّح باول قائلاً: “أعتقد بشدة أننا سنحيد عن هذه الأهداف، ربما لبقية العام الجاري”.

هذا الحذر ينبع من عدة عوامل، أبرزها حالة عدم اليقين الكبيرة التي تحيط بالتوقعات الاقتصادية. فالتغيرات المفاجئة والسريعة في السياسات التجارية، خاصةً الرسوم الجمركية، تُعد غير مسبوقة، ما يجعل من الصعب التنبؤ بتأثيرها بدقة، خصوصًا في ظل التعديلات المستمرة لهذه السياسات. وزيادة الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى نمو اقتصادي مؤقت، حيث تتعجل الأسر والشركات شراء احتياجاتها قبل ارتفاع الأسعار المتوقع، كما حدث في مارس عندما ارتفعت مبيعات السيارات وقطع الغيار بنسبة 5.3%، وهي أكبر زيادة منذ عامين. لكن هذا النمو المؤقت يرافقه ضرر طويل الأمد في بنية الاقتصاد، إذ تؤدي الرسوم إلى تراجع الإنتاجية بسبب ارتفاع تكاليف الواردات، ما يدفع الشركات إلى تغيير سلاسل التوريد الخاصة بها بحثًا عن بدائل أقل تكلفة. وعلى المدى الطويل، فإن هذه الرسوم تعيد توجيه النشاط الاقتصادي نحو قطاعات محمية محليًا ذات تنافسية أقل، وتؤدي إلى انخفاض الصادرات، خاصة تجاه الدول التي فرضت إجراءات تجارية انتقامية مثل الصين.

من جهة أخرى، فإن السياسات المتعلقة بالهجرة تُسهم في إبطاء النمو أيضًا، حيث تشير البيانات إلى تراجع كبير في أعداد المهاجرين الداخلين إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى ارتفاع معدلات الترحيل. هذا التراجع يحد من المعروض من العمالة، ويؤثر سلبًا على الإنتاجية، لا سيما في قطاعات مثل البناء والزراعة، التي تعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة.

وفي ظل هذا المشهد، تصبح قدرة السياسة النقدية على دعم الاقتصاد محدودة. فحتى مع تباطؤ نمو الناتج المحلي، لم يتغير معدل البطالة كثيرًا، ولا يزال قريبًا من مستوى 4.2%، ما يدل على استمرار قوة سوق العمل إلى حد ما. وبالتالي، قد لا يكون هناك ما يكفي من التباطؤ لتبرير خفض سريع للفائدة. وفي المقابل، فإن استمرار التضخم في تجاوز مستهدف الفيدرالي البالغ 2% للعام الخامس على التوالي يدفع البنك إلى توخي الحذر، لأن أي قرار متسرع بخفض الفائدة قد يؤدي إلى إضعاف الثقة في استقرار الأسعار. وهذا أمر شديد الحساسية، لأن فقدان السيطرة على توقعات التضخم قد يؤدي إلى تكلفة اقتصادية باهظة، كما حدث في السبعينيات، عندما استغرق خفض التضخم سنوات طويلة وجهودًا مكلفة.

وعلى الرغم من أن توقعات بعض الاقتصاديين والمستهلكين تشير إلى ارتفاع التضخم في المدى القصير، فإن المؤشرات الأخرى لا تؤيد هذه الرؤية بنفس القوة. فمثلًا، لم تُظهر البيانات الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك – والتي تقيس توقعات التضخم من خلال استطلاعات رأي شهرية – أي ارتفاع كبير، كما أن أسعار السندات الحكومية المرتبطة بالتضخم لم تعكس قفزة واضحة في التوقعات. ومع ذلك، تبقى هذه التوقعات هشة، والتغيرات فيها سريعة التأثر بتحركات الفيدرالي نفسه، ما يجعل البنك حذرًا في أي استجابة للتباطؤ الاقتصادي حتى لا يؤثر على مصداقيته.

الضغوط السياسية أيضًا تضيف مزيدًا من التعقيد للمشهد. فالرئيس ترامب، كما في ولايته الأولى، يواصل الضغط على الفيدرالي لخفض الفائدة. لكن الاستجابة لمثل هذا الضغط قد تضع البنك في موقف صعب، لأنه إذا خفض الفائدة في هذه الأجواء، قد يُفهم ذلك على أنه خضوع للتأثير السياسي، ما يُضعف الثقة في استقلاليته، وهي إحدى ركائز مصداقيته أمام الأسواق والمستثمرين. في الواقع، فإن الضغط السياسي قد يجعل الفيدرالي أكثر ترددًا في اتخاذ خطوات تحفيزية، خشية أن يُنظر إلى قراراته باعتبارها غير نابعة من تقييم اقتصادي موضوعي.

وبالتالي، من المرجح أن يظل الفيدرالي متأنيًا، على الأقل في الأشهر القليلة المقبلة، حتى تتضح الصورة بشكل أكبر فيما يخص السياسات التجارية وسوق العمل. وإذا تدهور الوضع بشكل حاد، مثل ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 4.5%، فقد يضطر البنك إلى التحرك بقوة. ويستند ذلك إلى ما يُعرف بـ”قاعدة سهم”، وهي قاعدة اقتصادية تشير إلى أن زيادة معدل البطالة بنصف نقطة مئوية عن مستواه الأدنى خلال الأشهر الاثني عشر الماضية غالبًا ما تُعتبر إشارة مبكرة على دخول الاقتصاد في حالة ركود. صحيح أن هذه القاعدة أطلقت تحذيرًا خاطئًا العام الماضي، بسبب ارتفاع عدد الداخلين إلى سوق العمل، إلا أن الوضع هذا العام مختلف، لأن سوق العمل لا ينمو بنفس الوتيرة، وأي ارتفاع في البطالة سيكون على الأرجح نتيجة تباطؤ فعلي في التوظيف، لا مجرد اتساع في القوى العاملة.

وبناءً على كل هذه العوامل، فإن السيناريو الأقرب للواقع هو أن يمتنع الفيدرالي عن أي خفض للفائدة في المدى القريب، مع الاحتفاظ بإمكانية اللجوء إلى تيسير نقدي واسع في وقت لاحق من العام، إذا استدعت الظروف ذلك. هذا السيناريو يبدو أكثر ترجيحًا من بدء سلسلة تدريجية من التخفيضات اعتبارًا من يونيو، كما تتوقع بعض الأسواق الآن. وبين الحذر من التضخم، والضغوط السياسية، والغموض المحيط بالسياسات التجارية، سيواصل الفيدرالي الموازنة بعناية بين أهدافه، متمسكًا بنهج “الانتظار والترقب” حتى إشعار آخر.

كن على إطلاع بالأسواق العالمية من خلال تحليلاتنا السابقة كما يمكنك الاستفادة الآن من خدمات شركة LDN عبر منصة تداول  LDN Global Markets. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.