يشهد سوق العملات المشفرة زخماً متجدداً مدفوعاً بجملة من التطورات الاقتصادية والجيوسياسية، أبرزها الاتفاق التجاري المؤقت بين الولايات المتحدة والصين، الذي تضمن خفضاً متبادلاً للرسوم الجمركية لمدة تسعين يوماً. هذه الخطوة، التي فُسرت على نطاق واسع بأنها محاولة لتهدئة التوترات بين القوتين الاقتصاديتين، أعادت الثقة إلى الأسواق، ودفعت المستثمرين إلى إعادة توجيه السيولة نحو الأصول عالية المخاطر، وفي مقدمتها العملات الرقمية.
الاتفاق شمل تقليص الصين للرسوم المفروضة على السلع الأميركية من مستويات مرتفعة إلى 10%، مقابل خفض أميركي للرسوم على السلع الصينية إلى 30%. هذه التحركات أعطت إشارات إيجابية بشأن جدية الطرفين في تخفيف حدة التصعيد التجاري، وهو ما انعكس فوراً على مزاج الأسواق، التي طالما كانت متوترة من آثار الحروب التجارية على النمو العالمي والسيولة المتاحة.
في هذا السياق، برزت العملات المشفرة كأحد أبرز المستفيدين من عودة شهية المخاطرة، لا سيما في ظل تزايد التوقعات بقيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة. هذه التوقعات عززت من جاذبية الأصول الرقمية بوصفها أدوات تحوطية، ودفعت عدداً من المستثمرين المؤسسيين إلى تكثيف عمليات الشراء من خلال صناديق الاستثمار المتخصصة.
وتتزايد القناعة في الأوساط المالية بأن تحسّن العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين يسهم في تخفيف الضغوط الجيوسياسية والمالية على الأسواق، وهو ما يخلق بيئة أكثر ملاءمة لتدفقات رؤوس الأموال نحو الأصول غير التقليدية. هذا الانفراج التجاري، وإن كان مؤقتاً، يُعد عاملاً محفزاً لإعادة تقييم شهية المخاطرة عالمياً، ويُترجم إلى انتعاش في الطلب على الأصول الرقمية التي باتت تُصنف بشكل متزايد ضمن الأدوات الاستثمارية طويلة الأجل.
إلى جانب هذه العوامل، ساهمت تحركات كبار المستثمرين داخل قطاع الأصول الرقمية، ولا سيما من خلال صناديق الاستثمار، في خلق زخم إضافي. ويُنظر إلى هذا النشاط المؤسسي كإشارة على النضج المتزايد لسوق العملات المشفرة، وعلى الثقة المتنامية في مستقبلها ضمن المحافظ الاستثمارية الكبرى.