الدولار الأمريكي يواصل سلسلة تراجعاته منذ بداية الربع الثاني من العام، متأثرًا بتصاعد حالة الحذر في الأسواق عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق تجاري “واسع النطاق” مع اليابان. فقد تخلّت الأسواق عن شهية المخاطرة تجاه العملة الأمريكية، بعد أن بات واضحًا أن الإدارة الأمريكية تستخدم السياسة التجارية كأداة تفاوضية تفرض ضغوطًا على شركائها، وهو ما انعكس على مؤشر الدولار الذي اقترب من أدنى مستوياته منذ منتصف يوليو.
رغم محاولة الأسواق تسعير الصفقة الأمريكية-اليابانية إيجابيًا، إلا أن غياب تفاصيل دقيقة حول تداعياتها المستقبلية، بالتزامن مع غموض في السياسة النقدية الأمريكية، عزز من الضغط البيعي على الدولار. وجاء هذا وسط ترقب حذر لما سيسفر عنه اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي القادم، والمهلة المحددة من البيت الأبيض لفرض رسوم جمركية إضافية مطلع أغسطس.
وشهد الين الياباني تذبذبًا واضحًا خلال الجلسات الأخيرة، حيث استفاد لفترة وجيزة من إعلان الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة، والذي تضمّن فرض رسوم جمركية مخفّضة بنسبة 15% على الصادرات اليابانية بدلًا من النسبة السابقة البالغة 25%. إلا أن هذه المكاسب لم تصمد طويلاً، بسبب عوامل داخلية، أبرزها الغموض السياسي المرتبط برئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا، واحتمال استقالته بعد تراجع حزبه في انتخابات مجلس الشيوخ.
الفنيون يرون أن حساسية الين للأحداث السياسية تؤكد استمراره كأحد أبرز أدوات التحوط في أوقات الاضطراب، لكن في ذات الوقت، فإن أي توترات داخلية تُفقده الزخم وتحدّ من قدرة المستثمرين على الاعتماد عليه في ظل غياب اتجاه واضح. وتبقى الأسواق في حالة ترقب ما إذا كان هذا التذبذب مؤقتًا أم مقدمة لتحولات أكثر عمقًا في السياسة الاقتصادية اليابانية.
الاتفاق الذي أعلنه الرئيس ترامب لم يقتصر فقط على تقليص الرسوم الجمركية، بل شمل تعهدًا من اليابان بضخ استثمارات بقيمة 550 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، وفتح أسواقها أمام صادرات أمريكية تشمل السيارات والمنتجات الزراعية والطاقة. وبالرغم من أن هذه البنود قد تبدو متوازنة من الناحية النظرية، فإنها في الواقع تمنح الولايات المتحدة أفضلية تفاوضية، خصوصًا مع غياب أي التزام واضح من واشنطن بشأن حماية الشركات اليابانية من رسوم مستقبلية.
اللافت في الأمر، كما أكده وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو، هو أن الاتفاق لم يتطرق نهائيًا إلى سياسات سعر الصرف، في وقت كانت فيه الأسواق تتكهن بإمكانية خضوع طوكيو لضغوط لدعم الين مقابل الدولار. هذا الفصل الواضح بين التجارة وسوق العملات يُطمئن الأسواق إلى حد ما، لكنه لا يمنع إمكانية تحوّل سعر الصرف لاحقًا إلى أداة ضغط في حالة تأزم العلاقات الثنائية.
العملات الآسيوية الأخرى تحركت ضمن نطاقات ضيقة، مع ميل طفيف للصعود في بعض الأزواج مثل الدولار الأسترالي والنيوزيلندي، بدعم من تحسن المعنويات بعد الاتفاق الأمريكي–الياباني. في المقابل، بقي اليوان الصيني مستقرًا نسبيًا مع تدخلات محسوبة من بكين، بينما تفوق الوون الكوري الجنوبي بانخفاض زوج USD/KRW بنسبة 0.3% نتيجة إشارات تحسّن اقتصادي محلي.
فنيًا، تُظهر المؤشرات الزخمية على أزواج العملات الرئيسية حالة من التباطؤ في السيولة، ما يعكس تفضيل المتداولين البقاء على الهامش قبل صدور قرارات الفيدرالي، والتي من المتوقع أن تُحدث تحركًا واسعًا في أسعار الصرف العالمية. الأسواق تدخل مرحلة حساسة قد تعيد فيها القوى الكبرى رسم معالم السياسة التجارية والنقدية، ما يجعل الأشهر القادمة حاسمة في تحديد اتجاهات السوق للمدى المتوسط.
كن على إطلاع بالأسواق العالمية من خلال تحليلاتنا السابقة كما يمكنك الاستفادة الآن من خدمات شركة LDN عبر منصة تداول LDN Global Markets.