Cannot fetch data from server.

كيف غيّرت اتفاقية بريتون وودز العالم؟ ولماذا انهارت فجأة؟

0 18

القرن العشرين ليس مجرد حقبة زمنية عابرة، ففي منتصفه تشكل النظام الاقتصادي العالمي على يد اتفاقية بريتون وودز والتي تُعد من أهم أحداث هذا القرن خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي ظل تلك الاضطرابات اجتمعت كبرى الدول لمحاولة إعادة بناء النظام المالي العالمي على أسس أكثر استقرارًا وعدالة، ومن هنا ظهرت الاتفاقية التي رسمت طريقاً جديداً للتجارة الدولية وأسعار الصرف والنظام النقدي العالمي. 

في هذا المقال من مدونة LDN عزيزي القارئ سنأخذك في رحلة تاريخية لتتعرف على اتفاقية بريتون وودز من جميع جوانبها ولماذا انهارت في النهاية! ومن هو الذي ارتبط اسمه بهذا التغيير الكبير؟

 

ما هي اتفاقية بريتون وودز؟ 

هي اتفاقية دولية تم توقيعها في يوليو عام 1944 خلال مؤتمر عُقد في مدينة “بريتون وودز” بولاية نيوهامبشير الأمريكية، شارك في ذلك المؤتمر 44 دولة من الحلفاء، وكان الهدف الأساسي هو وضع نظام مالي عالمي جديد يساعد في إعادة بناء الاقتصاد العالمي بعد الدمار الذي تسببت به الحرب العالمية الثانية. 

في اتفاقية بريتون وودز تم إنشاء نظام نقدي عالمي يقوم على ربط العملات الوطنية بالدولار الأمريكي، في حين تم ربط الدولار نفسه بالذهب بسعر ثابت وهو 35 دولارًا للأونصة الواحدة من الذهب.

بالتالي أصبح الدولار هو العملة المرجعية الأساسية للتبادل الدولي مما منح الولايات المتحدة مكانة مالية مركزية في الاقتصاد العالمي. هنا يطرأ سؤال هام لماذا ظهرت تلك الاتفاقية؟ وما كانت أهدافها؟  

 

ما أهداف اتفاقية بريتون وودز؟ 

كان الهدف المحوري وراء الاتفاقية إعادة تشكيل النظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وتم ذلك عن طريق عدة أهداف لتعمل معاً لتحقيق الهدف الأكبر، ومن أبرزها:

  1. استقرار النظام النقدي الدولي
    من خلال ربط العملات بالدولار وربط الدولار بالذهب، هدفت الاتفاقية إلى الحد من تقلبات أسعار الصرف، وتوفير بيئة مستقرة تساعد على نمو التجارة العالمية. 
  2. منع الأزمات الاقتصادية والمالية
    كانت من أهم الدروس المستفادة أن غياب التنسيق المالي العالمي يؤدي إلى كوارث، ولذلك هدفت الاتفاقية إلى منع الانهيارات المفاجئة في العملات والأسواق قدر المستطاع. 
  3. تشجيع التجارة الحرة
    النظام الجديد سعى لتقليل الحواجز التجارية بين الدول، مثل رسوم الجمارك، مما يتيح سلاسة  في تداول البضائع والخدمات. 
  4. توفير الدعم المالي للدول
    تم إنشاء مؤسسات مالية عالمية مثل “صندوق النقد الدولي والبنك الدولي” لتقديم الدعم المالي والفني للدول التي تواجه مشاكل في المدفوعات أو تحتاج لتمويل مشاريع. 
  5. تحقيق التوازن بين الاستقرار والنمو
    سعت الاتفاقية إلى تحقيق التوازن بين الاستقرار النقدي والنمو الاقتصادي، بحيث يمكن للدول تحقيق التنمية دون التضحية بالاستقرار المالي. 

 

ما هو نظام بريتون وودز؟ 

اعتمدت اتفاقية بريتون وودز نظامًا جديدًا، كان مختلفًا تمامًا عن الأنظمة السابقة، وقد بُني على عدة عوامل أساسية وهي: 

  • ربط العملات بالدولار الأمريكي
    تم الاتفاق على أن يتم ربط معظم عملات العالم بالدولار الأمريكي بسعر صرف ثابت، مع إمكانية تعديل ذلك السعر في حالات استثنائية، بشرط موافقة صندوق النقد الدولي. 
  • ربط الدولار بالذهب
    أصبح الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة القابلة للتحويل إلى الذهب، أي أصبح الدولار بمثابة “بديل ذهبي”، ما أعطاه قوة كبيرة وجعله عملة الاحتياط العالمية. 
  • إنشاء صندوق النقد الدولي 
    تم إنشاء الصندوق لمراقبة أسعار صرف العملات، وتقديم الدعم المالي للدول التي تواجه مشاكل في ميزان المدفوعات، وأيضًا تقديم استشارات مالية واقتصادية. 
  • تأسيس البنك الدولي
    تم تأسيس البنك الدولي لتمويل مشاريع التنمية في الدول المتضررة من الحرب، وكذلك في الدول النامية، بهدف دعم النمو الاقتصادي العالمي. 
  • الحد من التلاعب بأسعار الصرف
    تم إلزام الدول بالحفاظ على استقرار عملاتها، وعدم تخفيض قيمتها لأغراض تجارية إلا بموافقة صندوق النقد الدولي. 

حتي الآن قد تظن أن نظام بريتون وودز مثالية أسست نظام مالي جيد ولكن ليس للعملة وجه واحد أليس كذلك! كذلك هذه الاتفاقية فقد كان لها وجه آخر ظهرت فيه السلبيات التي قد تكون تسببت في انهيارها في نهاية المطاف. 

 

ما سلبيات نظام بريتون وودز؟  

علي الرغم من الاستقرار الذي نجحت في تحقيقه الاتفاقية بعد الحرب العالمية الثانية إلا أن النظام الذي تبنته لم يكن خاليًا من العيوب والتي كان أبرزها: 

  • الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي
    من أكبر عيوب الاتفاقية أنها منحت الدولار دورًا مركزيًا في النظام المالي العالمي، مما جعل الاقتصاد العالمي كله يعتمد على سياسة الولايات المتحدة النقدية، وأي خلل في الاقتصاد الأمريكي كان ينعكس مباشرة على بقية دول العالم. 
  • فقدان المرونة النقدية
    الدول لم تكن قادرة على تعديل أسعار صرف عملاتها بسهولة، حيث كانت مقيدة بأسعار صرف ثابتة تتطلب موافقة صندوق النقد الدولي عند أي تعديل، حدّ هذا من قدرة الدول على التعامل مع الأزمات الاقتصادية المفاجئة. 
  • عدم كفاية احتياطيات الذهب
    مع مرور الوقت، بدأت الولايات المتحدة تطبع المزيد من الدولارات دون أن تقابلها زيادة في احتياطي الذهب، ما تسبب في فقدان الثقة تدريجيًا بقدرة الدولار على الحفاظ على قيمته الذهبية، وهو ما شكّل تهديدًا كبيرًا للنظام بأكمله. 
  • صعوبة التكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية
    مع تطور الاقتصاد العالمي وتغير موازين القوى الاقتصادية، أصبح نظام بريتون وودز غير قادر على استيعاب هذه التغيرات، خاصة مع صعود اقتصادات جديدة ونشوء تحديات لم تكن موجودة عند توقيع الاتفاقية.  

 

ومن هنا ننتقل لنهاية رحلتنا وانهيار الاتفاقية بعد أن عرفنا سلبياتها وكثرة التغييرات التي طرأت حينها، مع عدم قدرة الاتفاقية على التحلي بالمرونة التي قد كان من الممكن أن تكسبها الاستمرارية رغم الأحداث المتقلبة، ولكن هذا لم يحدث وفقدت الاتفاقية توازنها مما أدى إلى انهيارها. 

 

انهيار اتفاقية بريتون وودز 

رغم أن اتفاقية بريتون وودز استمرت لعدة عقود كان في أوائل السبعينيات نهايتها وإليك كيف حدث ذلك في خطوات: 

  1. فقدان الثقة بالدولار
    مع زيادة طباعة الدولار دون وجود ما يقابله من الذهب، بدأت الدول تفقد الثقة في قدرة الولايات المتحدة على تحويل الدولار إلى ذهب، كما طالبت بعض الدول، مثل فرنسا، بتحويل ما تملكه من دولارات إلى ذهب. 
  2. هروب الدول من النظام
    بدأت البنوك المركزية في دول عديدة بتحويل احتياطاتها من الدولار إلى ذهب، ما شكل ضغطاً هائلًا على احتياطي الذهب في الولايات المتحدة وهدد بانهيار النظام. 
  3. قرار نيكسون الشهير (صدمة نيكسون)
    في عام 1971، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون تعليق تحويل الدولار إلى ذهب، مما أنهى الفكرة الاساسية التي بُني عليها نظام بريتون وودز، هذا الإعلان عُرف لاحقًا بـ (صدمة نيكسون). 
  4. نهاية نظام أسعار الصرف الثابتة
    بعد انهيار الرابط بين الدولار والذهب، بدأت الدول تعتمد أنظمة سعر صرف مختلفة، حيث تُحدد قيمة العملة بناءً على العرض والطلب في السوق وليس بربطها بمعيار ثابت كالذهب.

 

وبذلك، انهارت اتفاقية بريتون وودز رسميًا، وتم استبدالها تدريجياً بنظام نقدي عالمي أكثر مرونة يعتمد على أسعار الصرف المرنة والدولار كعملة احتياطية بدون غطاء ذهبي. 

بعد أن انتهينا عزيزي القارئ من تغطية جميع نواحي الاتفاقية ورحلتها من القمة إلى القاع، بالتأكيد ينتابك الفضول حول معرفة من هو بريتون وودز؟  

من هو بريتون وودز؟ 

في الواقع، بريتون وودز ليس اسم شخص، بل هو اسم بلدة صغيرة تقع في ولاية نيوهامبشير بالولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا هو اسم المنتجع الجبلي الذي استضاف المؤتمر الشهير في يوليو 1944 والذي خرجت عنه اتفاقية بريتون وودز  

في هذا المكان اجتمع ممثلون عن 44 دولة لوضع أساس نظام مالي عالمي جديد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن هنا جاءت التسمية اتفاقية بريتون وودز. إذًا، بريتون وودز ليست شخص، وإنما مكان يحمل رمزية تاريخية كبيرة في عالم الاقتصاد، لأنه شهد بداية عصر جديد للنظام النقدي العالمي. 

 

الأسئلة الشائعة

ما هي اتفاقية بريتون وودز باختصار؟ 

هي اتفاقية دولية تم توقيعها عام 1944 بين 44 دولة بهدف إعادة بناء النظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وقد قامت على ربط العملات بالدولار الأمريكي، وربط الدولار بالذهب 

لماذا سُمّيت الاتفاقية باسم “بريتون وودز”؟ 

سُميت بهذا الاسم نسبة إلى بلدة “بريتون وودز” الواقعة في ولاية نيوهامبشير الأمريكية، حيث عُقد المؤتمر الذي تم فيه الاتفاق على النظام النقدي الجديد 

ما هو الدور الذي لعبه الدولار في اتفاقية بريتون وودز؟ 

أصبح الدولار الأمريكي هو العملة المرجعية في العالم، وتم ربط معظم العملات به بسعر صرف ثابت، كما تم ربط الدولار نفسه بالذهب بسعر 35 دولارًا للأونصة 

ما سبب انهيار اتفاقية بريتون وودز؟ 

انهارت الاتفاقية بسبب فقدان الثقة في قدرة الدولار على الحفاظ على قيمته الذهبية، وطباعة كميات كبيرة من الدولار دون وجود احتياطي ذهبي كافٍ، مما دفع الرئيس نيكسون إلى إيقاف قابلية تحويل الدولار إلى ذهب عام 1971.

هل لاتزال مبادئ اتفاقية بريتون وودز قائمة حتى اليوم؟ 

لا، النظام الذي قامت عليه الاتفاقية انتهى رسميًا في السبعينيات، لكن بعض المؤسسات التي نشأت عنها مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ما تزال تلعب دورًا كبيرًا في الاقتصاد العالمي حتى الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.