شهدت أسواق المال في الشهر الماضي تحولًا جذريًا، حيث ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بنحو 50 نقطة أساس ليصل إلى أكثر من 4.6%، وهو أعلى مستوى منذ مايو 2023. هذا الارتفاع الحاد في العوائد دفع الأسواق إلى مواجهة تحديات ملحوظة، حيث تراجع مؤشر S&P 500 بأكثر من 1%، وتوقف الزخم الصاعد الذي كان يسيطر على السوق في الفترة السابقة. في الوقت ذاته، تظهر إشارات متزايدة على أن الأسواق تشهد حالة من التقلبات التي يعكسها الارتفاع المتسارع في أسعار الفائدة، وهو ما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم.
تجاوز عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات مستوى 4.5%، الذي غالبًا ما ارتبط بتراجعات كبيرة في السوق في الماضي. يشير مايك ويلسون من مورغان ستانلي إلى أن الزيادة الحالية في العوائد قد تكون دليلًا على اتساع التقلبات في الأسواق، حيث تظهر العلاقة العكسية بين عوائد السندات وعوائد الأسهم، وهو أمر لم نشهده منذ الصيف الماضي. ورغم البيانات الاقتصادية القوية، فإن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع يعود إلى أسعار الفائدة المرتفعة، وليس النمو الاقتصادي.
تتأثر الأسواق بشكل خاص من هذا الارتفاع في أسعار الفائدة، خاصة في قطاعات المضاربة مثل أسهم الشركات الصغيرة، التي غالبًا ما تجد نفسها أمام تحديات أكبر في ظل تكاليف الاقتراض المرتفعة. هذه العوامل ساعدت على تعزيز هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى في السوق، حيث تتمتع بميزانيات قوية وقدرة أكبر على التكيف مع التحولات الاقتصادية. وفي هذا السياق، ينصح ويلسون المستثمرين بالتركيز على الشركات عالية الجودة التي تتمتع بميزانيات مالية قوية، والتي تكون أقل عرضة لتقلبات أسعار الفائدة.
علاوة على ذلك، عادة ما يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تعزيز قوة الدولار، الذي وصل مؤخرًا إلى أعلى مستوى له في عامين. هذا الارتفاع يضغط على الشركات التي تعتمد على الأسواق الأجنبية بشكل كبير، حيث يؤثر سلبًا على أرباحها من مبيعاتها الدولية. في المقابل، الشركات التي تعتمد بشكل أقل على الإيرادات المحلية، أظهرت نموًا أفضل في الأرباح مقارنة بتلك التي تعتمد بشكل أكبر على السوق الأمريكي.
التحدي الأكبر للمستثمرين الآن هو كيفية التكيف مع هذه البيئة التي تشهد ارتفاعًا في أسعار الفائدة. يرى محللين أن البيانات الاقتصادية الأضعف قد تدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة في عام 2025، مما قد يوفر بعض الراحة للأسواق. لكن لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تكون البيانات الاقتصادية قد تراجعت بشكل طفيف دون أن تتسبب في تباطؤ كبير في الاقتصاد، حيث أن أي ضعف إضافي في سوق العمل قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها من قبل الفيدرالي.
في النهاية، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت أسعار الفائدة المنخفضة ستكون كافية لتعزيز سوق الأسهم على المدى الطويل. ومن المتوقع أن تقدم البيانات المقبلة، مثل تقرير الوظائف لشهر ديسمبر الذي سيتم نشره يوم الجمعة، مزيدًا من الإيضاحات حول الاتجاه الذي قد يسلكه الاقتصاد في الفترة المقبلة.