شهد الذهب ارتفاعًا قويًا هذا العام، حيث سجل حوالي 50 مستوى قياسيًا جديدًا، ليصبح أحد أبرز الأصول أداءً في الأسواق العالمية. ويرى محللون أن هذا الصعود ليس مجرد نتيجة لظروف اقتصادية كلية مواتية، بل يُعزى بشكل رئيسي إلى حالة “اللايقين المتراكمة” التي لا تزال تتصاعد. هذه الحالة المستمرة من القلق عززت من جاذبية الذهب كوسيلة تحوّط وملاذ آمن وأداة لتنويع المحافظ الاستثمارية.
تشير التوترات السياسية بشأن احتمال إغلاق الحكومة الأميركية، وتجدد الاحتكاك التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والمخاوف المتعلقة باستقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والضغوط المالية، والقلق من التضخم، والمخاوف من تدهور قيمة العملات، جميعها إلى عوامل ساهمت مجتمعة في تعزيز شعور عام بعدم اليقين، ما يدفع المستثمرين إلى زيادة مخصصاتهم في الذهب.
ويشير خبراء إلى أن حتى التحركات الصغيرة لرؤوس الأموال من السندات والأسهم باتجاه الذهب يمكن أن يكون لها تأثير كبير، نظرًا لأن التعديلات الطفيفة في المحافظ الاستثمارية العالمية تترجم إلى كميات كبيرة في سوق الذهب.
كما أشاروا إلى أن أداء الذهب الحالي، رغم المقارنات مع موجات الصعود الكبرى السابقة، لا يزال في مرحلة مبكرة نسبيًا، إذ لم تتجاوز مدة هذا الاتجاه الصاعد حوالي 700 يوم، مقارنة بدورات سابقة تجاوزت 1000 يوم، ما يُبقي احتمالات استمرار الصعود قائمة من دون أن تكون سابقة فريدة.
تم رفع التوقعات لأسعار الذهب، حيث وُضع السيناريو الأساسي عند 4,227 دولارًا للأونصة في الربع الرابع من هذا العام، و4,427 دولارًا في عام 2026، بينما تتراوح التوقعات في السيناريو المتفائل بين 4,963 دولارًا و5,108 دولارات. وتُشير التقديرات الحالية إلى أن تجاوز حاجز 5,000 دولار لم يعد أمرًا مستبعدًا، مع اعتبار أن النطاق السعري المرجّح يقع بين السيناريو الأساسي والمتفائل.
ورغم الارتفاع الحاد في الأسعار، لا تظهر مؤشرات على تموضع استثماري مفرط. فحيازات المنتجات المتداولة المدعومة بالذهب لم تصل بعد إلى مستوياتها القياسية من حيث الحجم، كما أن التموضع من قبل مديري الأموال لا يزال لديه مجال للزيادة، في ظل استمرار الاهتمام بالخيارات المرتبطة بالارتفاعات المستقبلية.
وتشير النقاشات مع مديري الأصول إلى أن الحصة التقليدية للذهب في المحافظ، والتي كانت لا تتجاوز 5%، أصبحت تُناقش الآن ضمن نطاق يتراوح بين 5% و10%، مع غياب مؤشرات واضحة على عمليات جني أرباح واسعة النطاق.
كما يبقى دعم البنوك المركزية أحد الأعمدة الأساسية في السوق، إذ يُتوقع أن يتجاوز إجمالي مشتريات القطاع الرسمي 850 طنًا هذا العام. وتُعد هذه المشتريات استراتيجية أكثر منها تكتيكية، ما يعزز من مكانة الذهب كأصل احتياطي موثوق، لدرجة أنه يتقدم في بعض الحالات على اليورو والسندات الأميركية في ميزانيات البنوك المركزية.
ورغم أن الأسعار المرتفعة قد تؤثر سلبًا على الطلب الاستهلاكي في الهند والصين من حيث الكميات، تشير التقديرات إلى أن الارتباط الثقافي القوي والتوقعات بتحقيق المزيد من المكاسب سيبقيان المشترين في السوق. وفي المقابل، من المرجح أن يبقى المعروض من الذهب المستعمل محدودًا، مع ميل حاملي الذهب لتأجيل البيع.
ولا يُستبعد حصول مرحلة تهدئة مؤقتة شبيهة بما حدث بين منتصف أبريل ومنتصف أغسطس، لكن يُتوقع أن يتطلب أي تصحيح أعمق تغيرًا حادًا في الظروف الاقتصادية وانخفاضًا كبيرًا في حالة عدم اليقين، وهما أمران لا يُتوقع حدوثهما في المدى القريب. وكما عبّر بعض المحللين: “رغم أن الفقاعات غالبًا ما تنفجر، إلا أنها في بعض الأحيان تستمر في الطفو”، وفي الوقت الحالي، يبدو أن الذهب لا يزال يحافظ على زخمه.
كن على إطلاع بالأسواق العالمية من خلال تحليلاتنا السابقة كما يمكنك الاستفادة الآن من خدمات شركة LDN عبر منصة تداول LDN Global Markets.