شهد مؤشر ناسداك تراجعات شديدة في الجلسة الافتتاحية أمس، قبل أن يعاود الصعود مرة أخرى، وذلك بسبب تأثير شركة “دييب سيك” على أسواق التكنولوجيا. ورغم أنها شركة ناشئة، إلا أنها أحدثت تأثيرًا ملموسًا على سوق الذكاء الاصطناعي العالمي. وكان أبرز إنجازاتها عرض نموذج “آر 1″، الذي يقدم قدرات مشابهة لتلك التي تقدمها “شات جي بي تي” من “أوبن إيه آي”، لكن بتكلفة أقل بكثير. يعود السبب في ذلك إلى استخدام “دييب سيك” لرقائق ذكاء اصطناعي قديمة وأقل تكلفة، مما جعل تطوير هذا النموذج يتم بتكلفة بلغت 5.8 مليون دولار فقط. وهذا يمثل فارقًا شاسعًا مقارنة بالمبالغ الهائلة التي أنفقتها الشركات الأمريكية الكبرى مثل “ميتا” و”أوبن إيه آي”، التي تنفق مئات الملايين أو حتى مليارات الدولارات لتطوير تقنياتها. هذا التميز في التكاليف منح “دييب سيك” ميزة تنافسية واضحة، وأسهم في تأثير كبير على أسواق التكنولوجيا العالمية.
ليانغ وينفينغ هو مؤسس شركة “دييب سيك” (Deep Seek)، التي أسسها بعد تخرجه من جامعة تشجيانغ. قبل تأسيس شركته، شارك في تأسيس صندوق تحوط كمي. حصل ليانغ على بكالوريوس في هندسة تقنية المعلومات من جامعة تشجيانغ في عام 2007، ثم حصل على ماجستير في هندسة المعلومات والاتصالات في عام 2010. في مسيرته المهنية، مر بعدة محطات هامة، كان من أبرزها تطوير خوارزمية لتتبع الأهداف باستخدام كاميرات PTZ منخفضة التكلفة أثناء إجراء أبحاثه. كما أسس شركة Hangzhou Yakebi للاستثمار في عام 2013، ثم أنشأ شركة Zhejiang Jiuzhang لإدارة الأصول في 2015. وفي عام 2019، أطلق “هاي فلاير AI”، التي كانت من أوائل الشركات التي استخدمت الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات التداول لتنبؤ باتجاهات السوق واتخاذ قرارات استثمارية.
أما “دييب سيك”، التي أسسها ليانغ في عام 2023، فتركز على تطوير الذكاء الاصطناعي العام (AGI). أصبحت “دييب سيك” واحدة من الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، حيث قدمت حلولًا مبتكرة تعتمد على تقنيات التعلم العميق (Deep Learning) والتعلم الآلي (Machine Learning). ساعدت هذه التقنيات الشركات على تحسين قدرتها في معالجة كميات ضخمة من البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة.
من جهة أخرى، تراجعت أسهم العديد من شركات التكنولوجيا بشكل ملحوظ نتيجة لهذا التحول. على سبيل المثال، تكبدت شركة “إنفيديا”، التي تعد من الشركات الرائدة في إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي، خسائر فادحة بلغت أكثر من 500 مليار دولار من قيمتها السوقية، وهو ما يعكس الأثر الكبير الذي أحدثته “دييب سيك” في السوق.
ومن المنظور الفني طالما الأسعار تتداول أسفل منطقة 128$ / 130$، قد نستأنف المسار الهابط للأسعار حتى منطقة الدعم 100$ / 102$.
سرعان ما اشترى المستثمرون الانخفاض في أسهم التكنولوجيا أمس، حيث تدفقت 4.3 مليار دولار إلى صندوق إينفيسكو QQQ (الذي يتبع مؤشر ناسداك-100)، وهو أكبر تدفق يومي منذ عام 2021؛ QQQ هو صندوق متداول يتتبع أداء مؤشر ناسداك-100، الذي يتضمن 100 من أكبر الشركات غير المالية المدرجة في بورصة ناسداك، مع تركيز كبير على قطاع التكنولوجيا. وهذا يشير إلى ثقة قوية في آفاق التكنولوجيا على المدى الطويل رغم تقلبات السوق الأخيرة.
ورغم أن البعض يعتبر صعود “دييب سيك” بداية لتحول في المشهد التكنولوجي العالمي، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه الشركات الصينية. فالعديد من الشركات التكنولوجية الصينية كانت تُقيَّم بشكل أقل من قيمتها الحقيقية بسبب المخاوف الجيوسياسية. إلا أن نجاح “دييب سيك” قد يغير هذه المعادلة ويزيد من قدرة الشركات الصينية على المنافسة في الأسواق العالمية. في هذا السياق، تدرس الحكومة الأمريكية “التداعيات الأمنية الوطنية لشركة دييب سيك”.
ويركز البعض على الدور الذي تلعبه البيانات في هذه المعركة التكنولوجية، حيث يُقال إن “دييب سيك” تجمع بيانات مشابهة لتلك التي تجمعها تطبيقات مثل “تيك توك”، بما في ذلك معلومات عن طراز الجهاز، نظام التشغيل، أنماط الكتابة، عنوان IP، ولغة النظام. هذا الأمر يعزز المخاوف بشأن الخصوصية.
وقد علق ايلون ماسك في تغريده علي تطبيق (X): حول تجاوز “دييب سيك” للقيود الأمريكية على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، إن “دييب سيك” يمتلك حوالي 50,000 شريحة من نوع Nvidia H100. في المقابل، أكدت “إنفيديا” أن عمل “دييب سيك” يثبت إمكانية تطوير نماذج جديدة باستخدام التقنيات المتاحة، مع الالتزام بالقيود القانونية والتنظيمية.
في الوقت نفسه، تزداد التوترات الجيوسياسية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين. حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة اعتبارًا من الأول من فبراير، وهي خطوة تهدف إلى الحد من وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة. ويُتوقع أن يكون لهذا التصعيد تأثير كبير على الشركات الصينية مثل “دييب سيك”، التي تعتمد على تقنيات من شركات أجنبية.
وفي 29 يناير 2025 سوف يعقد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اجتماعه ، ومن المتوقع أن يقرر الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، في ظل التحديات الاقتصادية الحالية. إذا تم الإبقاء على الفائدة كما هي، قد يكون لذلك تأثير سلبي على الأسهم، حيث قد يراه المستثمرون مؤشرًا على استمرار الضغوط الاقتصادية أو قلة التحفيز للنمو. هذا يمكن أن يؤدي إلى تراجع الثقة في الأسواق المالية ويزيد من التقلبات في الأسهم.
